سورة الرعد - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قلت: {جُفاء}: حال. و{الحسنى}: مبتدأ، و{للذين}: خبر مقدم. و{الذين لم يستجيبوا}: مبتدأ و{لو أن}: خبر، أو {الذين}: متعلق بيضرب، و{الحسنى}: نعت لمصدر محذوف، و{الذين}: معطوف على {الذين} الأولى، أي: يضرب الأمثال للذين استجابوا الحسنى وللذين لم يستجيبوا، ثم استانف قوله: لو أن... إلخ.
يقول الحق جل جلاله: {أنزل من السماء} أي: السحاب، أو ناحية السماء، {ماءً}؛ مطراً {فسالتْ} به {أودية}: أنهار، جمع وادٍ، وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة، فاتسع واستعمل للماء الجاري فيه. {بقَدَرها} أي: بقَدَر صغرها وكبرها، كل يسيل على قدره، أو بقدر ما قسم في قسمة الله تعالى، وعلم أنه نافع غير ضار، {فاحتمل السيلُ زَبَداً} أي: رفعه على وجه الماء، وهو ما يحمله السيْل من غذاء ونحوه، أو ما يطفو على الماء من غليانه، {رابياً}: عالياً على وجه الماء، {ومما تُوقدون عليه في النار} من الذهب وفضة، وحديد ورصاص ونحاس وغيره، {ابتغاءً} أي: لطلب {حليةٍ} كالذهب والفضة، {أو متاع} كالحديد والنحاس يصنع منه ما يتمتع به؛ من الأواني وآلات الحرب والحرث. والمقصود بذلك: بيان منافعها، فكل واحد منهما له {زَبَدٌ مثله} أي: مثل زبد الماء، وهو خبثه الذي تخرجه النار عند سبكه.
{كذلك يَضْرِِبُ اللَّهُ الحقَّ والباطل}؛ فمثل الحق وهو العلم بالله وبأحكامه كمثل الأمطار الغزيرة، ومثل القلوب التي سكن فيها، وجرت حِكَمُه على ألسنة أهلها؛ كالأودية والأنهار والخلجان، كلٌّ يحمل منه على قدره، وسعة صدره، ومثل الباطل الذي دمغه وذهب به؛ كالزبد وخبث الحديد والنحاس، أو الذهب والفضة. وسيأتي في الإشارة تكميله إن شاء الله. ورُوِي مثل هذا عن ابن عباس. وإنكار ابن عطية له جمود، وتَذَكرْ حديث البخاري: «مثل ما بعثني الله به من الهدى...» الحديث، فإنه يشهد لذلك التأويل. وتقدم له بنفسه في قوله: {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ} [يوسف: 39] ما يشير إلى تفسير أهل الإشارة والرموز. وراجع ما تقدم لنا في خطبة الكتاب يظهر لك الحق والصواب.
قال البيضاوي: مُثِّلَ الحقُّ في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة، فتنفع به أنواع المنافع، ويمكن في الأرض، فيثبت بعضه في منابعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والآبار، وبالفِلِزِّ الذي ينتفع به في صَوْغ الحلي، واتخاذ الأمتعة المختلفة، ويدوم ذلك مدة متطاولة. والباطلُ، في قلة نفعه وسرعة ذهابه، بزبدهما، وبيَّن ذلك بقوله: {فأما الزَّبدُ فيذهب جُفَاءً}، أي: مَرْمياً به، من جفاه: رمى به وأبعده، أي: يرمى به السيل والفلز المذاب. اهـ. {وأما ما ينفع الناس} كالماء، وخالص الذهب أو الحديد، {فيمكثُ في الأرض} لينتفع به أهلها. {كذلك يضرب اللهُ الأمثالَ} لإيضاح المشكلات المعنوية، بالمحسوسات المرئية.
{للذين استجابوا لربهم} بالإيمان والطاعة، {الحسنى} أي: المثوبة الحسنى، أو الجنة. {والذين لم يستجيبوا له} من الكفرة {لو أنَّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به} من هول ذلك المطلع. أو: يضرب الأمثال للذين استجابوا الاستجابة الحسنى، والذين لم يستجيبوا له. ثم بيَّن مثال غير المستجيبين بقوله: {لو أن لهم...} إلخ. {أولئك لهم سُوءُ الحساب}؛ أقبحة وأشده، وهو أن يناقش فيه، بأن يحاسبَ العبد على كل ذنب، ولا يغفر منه شيء، {ومأولهم}: مرجعهم {جهنمُ وبئس المهادُ}؛ الفراش والمستقر، والمخصوص محذوف، أي: هذا.
الإشارة: قد اشتملت الآية على أمثلة: مثال للعلم النافع، ومثال للعمل الخالص، وللحال الصافي. فمثَّل الحقُّ تعالى العلم النافع بالمطر النازل من السماء، فإنه تحيا به الأرض، وتجري به الأودية والعيون والآبار، ويحبس في الخلجان والقدور لنفع الناس، وتتطهر به الأرض من الخبث؛ لأنه ترمى به السيول، فيذهب جفاء، كذلك العلم النافع تحيا به النفوس بعد الموت بالجهل والشك، وتحيا به الأرواح بعد موتها بالغفلة والحجاب، وتمتلئ به القلوب على قدر وسعها وسعتها، وعلى قدر ما قُسم لهم من علم اليقين، أو عين اليقين، أو حق اليقين، وتتطهر به النفوس من البدع وسائر المعاصي.
ومثَّل العمل الخالص الذي تَصَفَّى من الرياء والعجب وسائر العلل، بالحديد المصفى من خبثه؛ لتصنع منه السيوف والآلات، أو النحاس المصفى لتصنع منه الأواني، وغيرها مما ينفع به الناس.
ومثَّل الحال الصافي من العلل بالذهب المصفى أو الفضة، إذا صفيت وذهب خبثها؛ ليصنع بهما الحلي والحلل؛ ليتزين بها أهلها، فأشار إلى المثال الأول وهو ا لعلم بقوله: {أنزل من السماء ماء} إلخ. وأشار إلى الحال بقوله: {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية}، وأشار إلى العمل بقوله: {أو متاع زبد مثله}. وقدَّم الحال لشرفه، ومثَّله بالذهب والفضة؛ لزيادة الرغبة فيه؛ لأنه ثمرة العمل، ومرجعه إلى الوجدان والأذواق، وهو عزيز لا يجده إلا المقربون.
والحاصل: أن المراتب أربعة: العلم، والعمل، والحال، والمقام. وإنما لم يضرب الحق تعالى مثلاً للمقام؛ لأن النزول فيه لا يكون إلا بعد التصفية، فليس فيه علة، يحتاج إلى التصفية منها. فمقامات اليقين كلها يجري فيها العلم، والعمل، والحال، والمقام. فالتوبة مثلاً: يتعلق العلم بمعرفة حقيقتها وفضليتها، ثم يسعى في العمل بالمجاهدة والرياضة حتى يذهب زبده وخبثه، حتى يذوق حلاوة الاستقامة مع بقية الخوف من السقوط، وهذا هو الحال، ثم تطمئن النفس، وترسخ التوبة النصوح، وهذا هو المقام. وكذلك الصبر، يتعلق به العلم أولاً ثم يسعى في مرارة استعماله حتى يذوق حلاوة الشدة والفاقة ثم يرسخ فيه، وهكذا يجري في المقامات كلها... وهي اثنا عشر مقاماً: التوبة، والخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والصبر، والشكر، والرضى، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة، وهي: بروج شمس المعرفة، وقمر التوحيد.
وكذلك معرفة الشهود والعيان: يتعلق العلم أولاً بأسرار التوحيد، ثم يعمل في خرق عوائد نفسه حتى تموت، فيشرق عليها أنوار التوحيد، غير أنها تظهر وتخفى، ثم يصير الشهود مقاماً، رسوخاً وتمكيناً.
وقد أشار الحكم إلى بعض هذا فقال: حسن الأعمال نتائج حسن الأحوال، وحسن الأحوال من التحقق بمقامات الإنزال. وكل واحد من الثلاثة يحتاج إلى تصفية حتى يذهب زبده وخبثه؛ فتصفية العلم بالإخلاص والتحقيق، فيذهب عنه قصد الرئاسة والجاه، أو التوصل إلى الدنيا، ويذهب به الشكوك والأوهام؛ فهذا زبده. وتصفية العمل بالإخلاص في أوله، والإتقان والحضور في وسطه، والكتمان في آخره، فيذهب عنه الرياء والعجب به، والتوصل به إلى حفظ نفساني. وتصفية الحال بصحة القصد وإفراد الوجهة، وإذا هاج عليه الوارد ملك نفسه وأمسكها، فيذهب به قصد الظهور، وطلب المراتب الدنيوية والكرامات الحسية، التي هي من حظ النفس وتشتيت القلب، إن لم يفرد وجهته لله، وانحلال عزمه وخمود نوره، إن لم يمسك نفسه عند هواجم الحال. فهذا زبد الحال الذي يذهب عنه بمجاهدة النفس، ويمكث في أرض القلوب صفاء اليقين والمعرفة وخالص العمل في مقام العبودية. وبالله التوفيق.


قلت: {أولئك..} الخ: جملة خبر الموصولات، إن رفعت بالابتداء، وإن جُعلت صفاتٍ لأُولي الألباب: فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات. و{جنات}: بدل من {عُقبى الدار}. و{من صلُح}: عطف على الواو بفصل المفعول، و{سلام عليكم}: محكي بحال محذوفة، أي: قائلين سلام عليكم، وحذْفُ الحال إذا كان قولاً كثيرٌ مطرد.
يقول الحق جل جلاله: {أفمن يعلم انما أنزِلَ إليك من ربك} هو {الحقُّ} فيستجيب له، وينقاد له {كَمَنْ هو أعمى} عمى القلب، لا يستجيب ولا يستبصر؟ أنكر الحق جل جلاله على من اشتبه عليه الحق من الباطل، بعدما ضرب المثل، فإن الأمور المعنوية، إذا ضرب لها الأمثال المحسوسة، صارت في غاية الوضوح لا تخفى إلاَّ على الخفاشة، الذين انطمس نور قلوبهم بالكفر أو المعاصي. ولذلك قال: {إنما يتذكر أولو الألباب}؛ ذوو العقول الصافية والقلوب المنورة، التي تطهرت من كدر العوائد والشهوات، ولم تركن إلى المألوفات والمحسوسات.
ثم وصفهم بقوله: {الذين يُوفون بعهد الله}؛ ما عقدوه على نفوسهم من معرفة عظمة الربوبية والقيام بوظائف العبودية، حين قالوا: {بلى}. {ولا ينقُضُون الميثاق}؛ ما أوثقوه على نفوسهم، وتحملوه من المواثيق التي بينهم وبين الله، وبينهم وبين عباد الله. وهو تعميم بعد تخصيص؛ تأكيداً على الوفاء بالعهود. {والذين يَصِلُونَ ما أمر الله به أن يُوصَلَ} من الرحم، وموالاة المؤمنين، وحُضور مجالس الصالحين، والعلماء العاملين، والاقتداء بقولهم والاهتداء بهديهم. {ويَخْشَون ربهم}: غضبه، وعذابه، أو إبعاده وطرده، {ويخافون سوءَ الحساب}: مناقشته، فيحاسبون أنفسهم قبل ان يُحاسبوا.
{والذين صَبرُوا} على مشاق الطاعة وترك المخالفة، أو على ما تكرهه النفوس، ويخالفه الهوى. فعلوا ذلك {ابتِغَاءَ وَجهِ ربهم}؛ طلباً لرضاه، أو لرؤية وجهه وشهود ذاته، لا فخراً ورياء، وطلباً لحظ نفساني. {وأقاموا الصلاة} المفروضة، بحيث حافظوا على شروطها وأركانها، وحضور السر فيها، {وأنفقوا مما رزقناهم} من الأموال فرضاً ونفلاً، {سِراً وعلانيةً}؛ إن تحقق الإخلاص، وإلا تعيَّن الإسرار. أو سراً لمن لا يعرف بالمال، وجهراً لمن يعرف به؛ لئلا يُتهم، أو ليُقتدى به. {ويدرءُونَ بالحسنةِ السيئَةِ} أي: يدفعون الخصلةَ السيئة بالخصلة الحسنة، فيجازون الإساءة بالإحسان؛ امتثالاً لقوله تعالى: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة} [المؤمنون 96]، أو: يدفعون الشرك بقول: لا إله إلا الله، أو يفعلون الحسنات فيدرؤون بها السيئات، كقوله {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} [هود: 114]. قيل: نزلت في الأنصار. وهي عامة.
ثم ذكر جزاءهم، فقال: {أولئك لهم عُقْبَى الدَّارِ} أي: عاقبة دار الدنيا وما يؤول إليه أهلُها. وهي: الجنة التي فسَّرها بقوله: {جناتُ عَدنٍ} أي: إقامة، {يدخُلونها} مخلدين فيها. والعدْن: الإقامة، وقيل: هي بطنان الجنة، أي: مداخلها لا ربضُها، فيدخلونها {ومن صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} أي: يَلْحَقُ بهم مَنْ صلح من أهلهم، وإن لم يبلغوا في العمل مبلغهم، بتعاً لهم وتعظمياً لشأنهم، أو بشفاعتهم لهم.
وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة، وأن الموصوفين بتلك الصفات يقرب بعضهم من بعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة؛ زيادة في أُنسهم لكن يقع التفاوت في الدرجات والنعيم والقرب، على قدر اجتهادهم في التحقق بتلك الصفات، والدؤوب عليها. والتقييد بالصلاح يدل على أن مجرد الانتساب لا ينفع من غير عمل.
{والملائكةُ يدخلون عليهم من كل بابٍ} من أبواب المنازل، أو من أبواب الفتوح والتحف، قائلين: {سلامٌ عليكم}؛ بشارة بدوام السلامة، هذا {بما صبرتم}، أو سلامة لكم بسبب صبركم. {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} التي سكنوها ورحلوا عنها دارهم هذه.
الإشارة: أفمن تَصَفَّتْ مرآة قلبه من الأكدار والأغيار، حتى أبصرت أمطار العلوم والأسرار النازلة من سماء الملكوت على النبي المختار، فتضلع منها حتى امتلأ منها قلبه وسره، ونبع بأنهار العلوم لسانه وفكره، كمن هو أعمى القلب والبصيرة، فلم يرفع بذلك رأساً؟ إنما ينتفع بتلك العلوم أولو القلوب الصافية التي ذهب خبثها، فصفت علومها وأعمالها وأحوالها من زبد المساوئ والعيوب، الذين دخلوا تحت تربية المشايخ، فأوفوا بعهودهم، وواصلوهم، وخافوا ربهم أن يبعدهم من حضرته، أو يناقشهم الحساب؛ فحاسبوا أنفسهم على الأنفاس والأوقات، وصبروا على دوام المجاهدات، حتى أفضوا إلى فضاء المشاهدات، وأقاموا صلاة القلوب وهي العكوف في حضرة الغيبوب وأنفقوا مما رزقهم من سعة العلوم ومخازن الفهوم، ويقابلون الإساءة بالإحسان؛ لأنهم أهل مقام الاحسان. أولئك لهم عقبى الدار؛ وهي العكوف في حضرة الكريم الغفار، تدخل على أبواب قلوبهم المواهبُ والأسرار، تقول بلسان الحال: سلام عليكم بما صبرتم في مجاهدتكم، فنعم عقبى الدار.


يقول الحق جل جلاله: {والذين ينقُضُون عهد اللهِ...} الذي اخذه عليهم في عالم الذر، حيث قال: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172]، ثم كفروا به بعد بعث الرسل المنبهين عليه. أو ينقضون العهود فيما بينهم وبين عباد الله، أن أعطوا ذلك من أنفسهم، {ويقطعونَ ما أمر اللهُ به أن يُوصل} من الأرحام، أو ممن يدل على الله من الأنبياء، والعلماء الأتقياء؛ فإنَّ الله أمر بوصلهم، {ويُفسدون في الأرض} بالظلم والمعاصي، وتهييج الفتن، {أولئك لهم اللعنةُ}: البُعد والطرد من رحمة الله، {ولهم سُوءُ الدَّارِ}: سوء عاقبة الدار، وهو العذاب والهوان، حيث اغتروا في الدنيا بسعة الأرزاق، وظنوا أن ذلك من علامة إقبال الحق.
ولم يدروا أن الله {يبسُطُ الرزقَ لمن يشاءُ}، ولو كان من أهل الشقاء، {ويَقْدِرُ} يُضيقه على من يشاء، ولو كان من أهل السعادة والعناية، {وفرحُوا بالحياة الدنيا} واطمأنوا بها، وقنعوا بنعيمها الفاني، {وما الحياةُ الدنيا} في جنب الآخرة {إلا متاعٌ}؛ إلا متعة لا تدوم، كعُجَالة الراكب وزاد الراعي. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «مَا لي وللدُّنْيَا إِنَّما مثلي ومَثَلُ الدُّنيا كَرَاكبٍ سَافَرَ في يَوْمٍ صائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرةٍ، ثم رَاحَ عَنْها وَتَركَهَا» والمعنى: أنهم أشِروا بما نالوا من الدنيا، ولم يصرفوها فيما يستوجبون به نعيم الآخرة، واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع، سريع الزوال. قاله البيضاوي.
الإشارة: لا شيء أفسد على المريد من نقض عهود المشايخ، والرجوع عن صحبتهم؛ فإنه لمَّا دخل في حماهم انقبض عنه الشيطان والدنيا والهوى، وأسفوا عليه، فإذا رجع إليهم، واتصلوا به، فعلوا به ما لم يفعلوا بغيره؛ كمن هرب من عدوه ثم اتصل به. وتنسحب عليه الآية من قوله: {والذين ينقضون عهد الله} إلى قوله: {أولئك لهم اللعنة}؛ أي: البُعد عن الحضرة، {ولهم سوء الدار} وهو: غم الحجاب والبقاء من وراء الباب. فإذا رجعت إليه الدنيا يقال له: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}؛ فلا تغتر ولا تفرح بالعرض الفاني، فما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع قليل، ثم التحسر الوبيل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8